التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العالم زمن ترامب: العودة المحتملة وملامح مستقبل مضطرب





بقلم: [حاتم الكافي]



مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يعود اسم دونالد ترامب ليطفو مجددًا على سطح السياسة العالمية، محدثًا موجة من التساؤلات والترقبات حول تأثير عودته المحتملة إلى البيت الأبيض. فقد كانت ولايته السابقة مليئة بالأحداث التي قلبت موازين القوى وأحدثت تحولات عميقة في السياسة العالمية، بدءًا من الجائحة التي أثرت على الجميع، مرورًا بالصراعات التجارية، وصولًا إلى سياسات الانعزال التي تبناها. فهل سنرى في حال فوزه بولاية جديدة سياسة تركز على الداخل الأمريكي أكثر، أم سيحاول استعادة النفوذ الأمريكي على الساحة الدولية؟

الاقتصاد العالمي تحت تأثير ترامب: فُرص أم اضطرابات؟


شهد الاقتصاد العالمي في عهد ترامب الأول أزمات وضغوطات، وخاصة مع شنّ "حروب تجارية" بين الولايات المتحدة والصين، وهي السياسات التي أثّرت بشكل مباشر على سلاسل التوريد وأحدثت تقلبات في الأسواق. إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، من المتوقع أن يعزز هذه السياسات عبر فرض رسوم جمركية جديدة، وإعادة فتح جبهات تجارية قد تدفع دول العالم الكبرى إلى التنافس بشكل غير متوقع.

من ناحية أخرى، قد يسعى ترامب إلى تشجيع النمو الصناعي داخل الولايات المتحدة بشكل أكثر تركيزًا، مما قد يؤثر سلبًا على الاقتصادات النامية، التي تعتمد على الأسواق الأمريكية. وفي الوقت نفسه، قد يسعى إلى تشكيل تحالفات اقتصادية جديدة خارج نطاق حلفائه التقليديين، مما سيضعف قواعد التعاون التي أسستها الولايات المتحدة على مدار عقود.

أوكرانيا وغزة: إحلال السلام أم إشعال النار


فيما يتعلق بالنزاعات الدولية، لا سيما الأزمة الأوكرانية، قد يسعى ترامب لإعادة رسم العلاقة مع روسيا بشكل يتجاوز التوجهات التقليدية، وذلك في إطار سعيه لتحقيق "صفقة كبرى". ومن المحتمل أن يكون هذا النهج تصالحيًا بدرجةٍ ما، على أمل وقف النزاع عبر تقديم تنازلات أو حلول تفاوضية، قد لا ترضي كل الأطراف، ولكنها قد تحظى بقبول مبدئي إذا ما قُدّم على أساس اقتصادي.

وفيما يخص الأزمة في غزة، قد تكون سياسة ترامب أكثر تأثرًا بمواقف حلفائه الإقليميين في الشرق الأوسط، خاصة أنه معروف بعلاقاته الوثيقة مع بعض الأطراف في المنطقة. وقد ينتهج سياسة تهدف إلى "الاستقرار المؤقت" عبر اتفاقات تعزز نفوذ بعض الدول الإقليمية، دون السعي إلى حل جذري للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مما قد يؤدي إلى هدنة مؤقتة دون رؤية حل طويل الأمد.

ترامب والجائحة المقبلة: استعداد أم تفاقم جديد؟


إذا كانت جائحة كوفيد-19 أكبر اختبار واجهته إدارة ترامب، فإن الوعي بضرورة الاستعداد لأي أزمات صحية أو مناخية مقبلة أصبح أمرًا حتميًا في حال عودته. لكن ترامب الذي عرفناه لم يكن من الساسة الذين يميلون إلى اتباع آراء الخبراء العلميين بحذافيرها، وقد يظل هذا النهج قائمًا في إدارته. مما يعني أن الأزمة القادمة - سواء كانت صحية أو بيئية - قد تواجه استجابة أقل مرونة، وتركز أكثر على الحلول الآنية بدلًا من استراتيجية دولية موحدة.

كما أن الوعي المتزايد بشأن التهديدات البيئية يحتّم على ترامب، في حال فوزه، التعامل مع هذا التحدي بأسلوب يتجاوز سياسات الإنكار، ويستجيب للنداءات العالمية التي تطالب بمواقف أكثر جدية تجاه التغير المناخي. ومع ذلك، قد تكون سياساته بيئية مبنية على الاقتصاد لا البيئة، ما قد يخلق توترًا بين قطاعات الاقتصاد التقليدي والنمو المستدام.

ترامب والعلاقات مع الحلفاء: التعاون مقابل الاستقلالية


لطالما شهدت إدارة ترامب السابقة توترًا ملحوظًا في علاقات الولايات المتحدة بحلفائها التقليديين، مثل الاتحاد الأوروبي ودول الناتو. وإذا عاد ترامب، فمن المتوقع أن يواصل ضغوطه على تلك الدول من أجل "دفع المزيد" في الشراكات الدفاعية والاقتصادية. ولكن هذه الضغوط قد تؤدي إلى إعادة تموضع تلك الدول، والسعي إلى تحالفات بديلة أكثر استقلالية عن النفوذ الأمريكي.

بالمقابل، قد يسعى ترامب إلى تعزيز علاقاته مع بعض الدول الآسيوية بهدف كبح النفوذ الصيني، وهو تحرك قد يؤثر على ديناميات القوة في القارة الآسيوية ويُحدث توترات جديدة. كما أن هذا الاتجاه قد يثير قلقًا لدى بعض الدول الأوروبية التي تفضل نهجًا أكثر توازنًا تجاه الصين.

الخاتمة: العالم في انتظار القرار


إن عودة ترامب المحتملة إلى السلطة هي مسألة مثيرة للقلق والأمل في آن واحد. ففي زمن ترامب، قد يشهد العالم إعادة ترتيب للقوى الاقتصادية والتحالفات السياسية بطرق غير تقليدية، وقد يجد العالم نفسه أمام واقع جديد يكون فيه النظام الدولي أكثر تقلبًا وأقل استقرارًا. ومع استمرار الأزمات العالمية، سواء كانت اقتصادية، صحية، أو بيئية، فإن عودة ترامب قد تعني تغييرًا جذريًا في معايير التعاون الدولي، وقد يجد العالم نفسه أمام تحديات لم تكن في الحسبان.

يبقى السؤال الذي يتردد على الألسنة: هل سيكون زمن ترامب الجديد فصلاً آخر من الفوضى، أم فرصة لإعادة التفكير في توازن القوى العالمية؟

تعليقات