صدرت رواية "أولاد الناس" عن دار نهضة مصر للنشر سنة 2018 وحازت على جائزة نجيب محفوظ كأفضل رواية عربية لسنة 2020، تعتبر رواية " "ثلاثية المماليك" من أكثر الإصدارات مبيعا طيلة سنتين وقد طبعت سبعة مرات.
تأخذنا الكاتبة ريم بسيوني في جولة داخل العصر أو الحقبة المملوكية، لتجعلنا نعيش مجريات الأحداث وكأننا في عهد المماليك بأسلوب مدهش ولغة سلسة رائعة.
أحداث الرواية
تروي " أولاد الناس" حكاية عن أجواء العصر المملوكي، وهي الحقبة التي حكم فيها المماليك مصر حتى هزيمتهم على يد السلطان العثماني سليم الأول سنة 1517 وموت السلطان طومان باي أشهر حكام المماليك.
القصة تنطلق من بناء مسجد السلطان حسن، وتسرد بالتفصيل فترة تشييده حيث تستعرض الكاتبة احداث زواج "زينب المصرية" من أمير مملوكي بالغصب وتحت التهديد.
تنجب "زينب" المهندس الذي شيد المسجد... تتوالى الأحداث في قالب سردي شيق لتصور حكاية اخرى متصلة وهي ملحمة تقاتل المماليك فيما بينهم وفي الفصل أو الحكاية الأخيرة تروي الأديبة كيف نهب المسجد على يد الغزاة الأتراك...
تسعى ريم بسيوني من خلال سرد الحكايات الثلاثة الى عرض تاريخ مصر الاجتماعي والسياسي ابان حكم المماليك بعد انتهاء دور الحكم الأيوبي، كما تسعى الكاتبة في ذات الوقت الى اثبات الدور الكبير الذي لعبه المماليك في بناء مصر وهو دور قد تغافله العديد من المثقفين خاصة منهم علماء الاجتماع.
العصر المملوكي لا يزال قائما في وجدان المصريين وعقلهم الجمعي وقد اختلف المؤرخون في وصف المماليك، فمنهم من اعتبرهم مجرد عبيد تدربوا ليكونوا جنودا ومقاتلين لدى السلطان ثم تحولوا إلى أمراء ليضطهدوا المصريين طيلة قرون ومن المثقفين من يعترف بالدور الإيجابي الذي لعبه المماليك في تاريخ مصر، ذلك أنهم تصدوا لغزو التتار والصليبيين ومن ثمة كانوا درعا حمى مصر طيلة قرون.
و من خلال هذه الرواية تعترف الأديبة و هي عالمة أيضا في مجال "علم اللغة الاجتماعي" بفضل المماليك في إعمار مصر من خلال بناء المساجد و المدارس و المستشفيات، و لهذا اتخذت الرواية من مسجد السلطان حسن رمزا للهوية و الحقبة المملوكية و رمزا لمصر ذاتها وهو أهم مسجد على الإطلاق و لا يزال إلى يومنا هذا شاهدا على ذلك العصر المملوكي الفريد.
تتحدث الرواية أيضا ومن خلال القصة الأولى والثانية، عن تفشي وباء الطاعون في عهد السلطان الناصر وفي عهد محمد بن قلاون وكذلك في عهد السلطان برقوق وتستعرض الكاتبة في هذا السياق الحلول العلمية التي انتهجها مماليك مصر في التصدي لتلك الجائحة كما صورت ببراعة تداعيات انتشار الوباء على المجتمع، وما خلفه من مآسي. .
استطاعت ريم بسيوني من خلال " رواية أولاد الناس" التطرق إلى ظاهرة الخوف الجمعي في صلب المجتمع الواحد، وكيف يمكن لهذا الخوف أن يؤثر على مجريات التاريخ وكأنها أرادت ان تبلغ القارئ أن الأوبئة والحروب بوسعها أن تفني الأمم ولكن وحدها العمارة والآثار الخالدة التي بوسعها أن تتصدى لذلك... وتروي لنا لاحقا أجمل الحكايات واروعها وربما تكون تلك العبر مبعث تفاؤلنا ونهضتنا من جديد...
لقد أبدعت ريم بسيوني في توظيف العمارة المملوكية وجعل أركان تلك العمارة تفصح عن أسرار لم تحدثنا عنها كتب التاريخ. قصص حب ومغامرات واحداث شيقة قد تملأ فضاء هذه الرواية، وتأسس لدى القارئ فكرة البناء عوضا عن نظريات الهدم التي تفشت في عقول بعض العامة والمثقفين...
رواية (أولاد الناس ثلاثية المماليك) تسرد بعناية فائقة حركة التاريخ وحركة المجتمع من خلال ثلاثية التشييد والبناء والهدم بناء يمتد وبناء ينهد لينشئ بناء آخر …وكأنها تردد مع ابن خلدون قوله (التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وفي باطنه نظر وتحقيق!)
تعليقات
إرسال تعليق